ضريبة التأويل المناخي

وقت القراءة: %count دقائق
conscience environnementale

"الله يرد بيك ا استاذة" كلام وجه لي ليس لأني لم احسن التصرف أو قمت بسلوك غير مقبول، بل لأني تكلمت عن بعض الظواهر الطبيعية بطريقة علمية، وربطتها بالتغيرات المناخية. العالم ما بين 1970 و2019 شهد ما يفوق 11000 كارثة طبيعية وفق تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. كما أضاف عالم الأرصاد الجوية بيتري طالاس في نفس التقرير أن العوامل الجوية، الهيدرولوجية والمناخية مسؤولة عن نصف هاته الكوارث، التي تضاعف عددها خمس مرات أكثر خلال خمس العقود الأخيرة. [1]
أقرأ هذا التقرير وانا أشاهد من شرفات "الكار" اراضي الشاوية العريقة، اراضي الخير والكرم، شاهدة عن القدم، ها أنا اراها من شرفات "الكار" خلعت سترتها الخضراء مرتدية ثوب البيداء.
قال بصوت مسموع : "ابنتي هاد الارض كانت كاملة فلاحة... كلشي مشا". نظرت اليه، وانا كلي اذان صاغية. كان السي الكبير رجل في عقده السابع، قوي البنية، نظراته حادة، يرتدي جلابة، ينظر معي من نفس النافذة... واسترسل كلامه في وصف الجنة الخالية : "برشيد كان به الفلاحة والخير، كانت الخضر والفواكه مرمية على الأرض... دابا راها عمرت شركات وولات غ الخلا والقفار... حيت مكاينش الما". اخذني السي الكبير في رحلة بدون تذكرة الى الماضي البعيد، حاكيا لي أيام قد خلت، أيام الخير الوفير والرزق العميم، لكن فجأة عقد حاجبيه عندما قلت : "ان الجفاف والكوارث الطبيعية الأخرى ترجع للتغيرات المناخية وأنشطة الإنسان الملوثة"، فرد بصوت حاد : " كلام فارغ، لا توجد تفسيرات أو أسبابا لذلك، الجفاف او الزلزال هي عقاب من الله ... الله يعاقبنا عن أفعالنا الخبيثة." 
بعدها وضح لي السي الكبير أن عبارة " افعالنا الخبيثة " لم يقصد بها الأنشطة الصناعية الملوثة التي وصلت إلى 256 ألف طن سنويا [2] لكن هو قصد بها "عدم احترام الناس لبعض الأدبيات  كطريقة اللباس، أسلوب الكلام وبعضها من السلوكات الشخصية" وعندما اوشك على النزول من الحافلة قال لي : "عيد الأضحى اقترب، الله يرحمنا... ونتي الله يرد بيك ا استاذة."

التغيرات المناخية أفكار ماسونية
كان العيد الاضحى موضوع نقاش الكثير، حتي في سيارة الأجرة وجدت السائق والركاب في حوار ساخن حول ارتفاع ثمن رؤوس الأغنام "الأضحية"، قال السائق : "خص يوقع لينا كثر، الكثير لا يتصدق" واتفقوا معه باقي الركاب، فقلت له : "اسمح لي، لكن هذا الوضع راجع لسنوات الجفاف التي شهدها المغرب، جراء التغيرات المناخية العالمية التي ليس لها دود جغرافية، دينية او سياسية"، سكت كثيرا ثم رد علي وهو يتنهد : "سمعي لالة الباحثة... هاته أفكار ماسونية ، لكي يتم التحكم في الناس، ليس هناك لا مناخ ولا بيئة، ان كل هاته التغيرات هي حقائق غيبية وغضب الرب علينا لأننا لا نتصدق ..."

الزلزال والجنس
تفسير أصل الكوارث الطبيعية على أنها عقاب الرب وبسبب سلوك الأفراد منتشر جدا في المغرب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كارثة زلزال الحوز التي راح ضحيتها 2946 و 5647 جريح حسب اخر تحيين لوزارة الداخلية   [3] حيث تم توجيه مبلغ اجمالي وصل إلى 120 مليار درهم من أجل الإصلاح وإيواء الضحايا. [4]
بعض جمعيات المجتمع المدني التي تكلفت بتوزيع المواد الغذائية واللباس على المتضررين، وتنظيم القوافل التي أتت من كل فج بعيد للتضامن، منعت منعا كليا بإعطاء المساعدات لبعض الأشخاص الذين يشتغلون بدور الدعارة ومقاهي النبيذ، باعتبارهم المسؤولون عن الفاجعة. احد أبناء المنطقة وهو شاب في العشرينيات أثناء تسمله المساعدات قال معلقا وعيناه يملئها الدمع : "كل هذا بسبب بعض النجسين، يعيشون بيننا، يعملون في المحرمات، بسبب سيئاتهم أرسل الله لنا عقابه، لولاهم لما مات العديد من الأبرياء وتشردت أسر..." داهمه البكاء فسكت، منشغلا في مسح عيناه التي احمرت.

الأمية البيئية تجعل الفرد أكثر عرضة للمخاطر الطبيعية
هكذا فسرت بعض الكوارث الطبيعية على أنها عقاب الرب الذي يكون تارة بسبب سلوكيات الفرد وأخلاقه وتارة بسبب أشخاص لهم أعمال مشبوهة تتعلق بالدعارة وبيع النبيذ أو المخمرات بصفة عامة.
حيث يعتبر التأويل المناخي للكوارث و للأخطار الطبيعية على أنه شرك، ودليل عن الزندقة أو ما يقال بالعامية "الخروج عن الطريق"، وهنا يمكن أن نلمس مشكل الأمية البيئية والتي لن يظهر خطرها الا عقب وقوع الفاجعة، حيث نجد مواطن لا بعرف كيف يتصرف، خائفا مذعورا، غارقا في تأويلاته، التي تزيده خوفا، وتحجب عليه الفعل الحقيقي الذي يتجلى في طلب التقرير العلمي للكارثة، أي كيف وقعت ؟ لماذا ؟ هل ممكن أن تقع مرة أخرى ؟ الاستراتيجيات المرتقبة ؟ القوانين التي تحميني كضحية للمناخ ؟ او بالأحرى كضحية للأخطار الطبيعية ؟ الى غيرها من الاسئلة الهامة، الموجهة للجهة المعنية.
المواطن الذي لا يولي اهتمام للبيئة المحيطة به، فأكيد لن يشارك في القرارات السياسية الكبرى، ولن يوجهها حسب احتياجات منطقته، وخصوصيتها الثقافية والبيئية. في حين المواطن الواع بيئيا سيوجه السياسات العمومية وفق متطلبات منطقته، وفق ديمقراطية تشاركية ولن ينتظر حتى وقوع الفاجعة لأن الخسائر أحيانا لا تعوض كفقدان الأحبة، كالعاهات المستديمة والصدمات النفسية، حيث أكد العلماء أن للكوارث الطبيعية عن تأثيرا جليا على الصحة العقلية للضحايا، حيث تزيد خطر إصابتهم باضطرابات نفسية، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، القلق والاكتئاب كما أبلغ الباحثون ظهور السلوك الانتحاري لديهم. [5]

حلول مبتكرة للثقافة المناخية والوعي البيئي
لا يمكن اعتبار مواطن لن يخضع لتكوين في البيئة ولمناخ أنه من المشككين في المناخ، لأن في الأصل ليس له دراية كبيرة بالمفاهيم البيئية.
التوعية البيئية : وجب توعية المواطن بحقيقة التغيرات المناخية والبيئية، تكون توعية شاملة للكل مهما كان سن، النوع والمستوى الأكاديمي، لان أحيانا قد نجد مواطن ذو مستوى أكاديمي عال، لكن ليس له دراية مسبقة بالمجال البيئي بحكم تخصصه مثلا الذي لم يدرج البعد البيئي في المنهاج التعليمي. التوعية تشمل بالمؤسسات التعليمية، بدور الأيتام، دور الشباب، دار العجزة، المؤسسات السجنية، الخ.
جواز البيئة : من أجل تحفيز المواطنين، اقترح جواز البيئة، وهو جواز يخول لهم ولوج للمساحات الخضراء واستغلال مرافقها مجانا، كولوج حدائق الحيوانات، الخ. كيف يحصل المواطن على هذا الجواز : الجواز سيستفيد منه المواطن الذي أتم جميع مراحل التكوين البيئي بشقيه النظري والتطبيقي، وتكوين سيركز عن تقديم دروس بأسلوب علمي بسيط، لتقريب المفاهيم البيئية من الشخص وتخليصه من يعض المعتقدات والمغالطات بخصوص تفسير الكوارث الطبيعية.
منصة التربية البيئية : وهي تتمة للتكوين الحضوري، غير أن المنصة ستبت درورسا عن بعد، بالنسية من سيتعذر عنهم الحضور، وسيتفيد المنخرط من امتيازات. ستركز المنصة عن فيديوهات توضيحية عن كيفية التصرف جراء كارثة طبيعية، والطرق الوقائية السليمة. كما ان المنصة ستوفر أمثلة عن كيفية كتابة العرائض والملتمسات، جراء مشاكل بيئية بالمنطقة وتقديمها للجهات المسؤولة للنظر فيها وإدراجها ضمن صلاحياتها وجدول أعمالها.
مدونة البيئة : اهتم الدستور المغربي بشؤون البيئة والمناخ خاصة في ظل الإحترار العالمي، وارتفاع وتيرة الكوارث الطبيعية في خمس العقود الأخيرة، حيث أن المملكة المغربية عاشت سنينا عجاف. ومن أجل عدالة مناخية، أقر الدستور المغربي مجموعة من القوانين التي يمكن اعتبارها مدونة للبيئة. كالقانون الإطار 99.12 الذي يعتبر بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي بين بالتفصيل كل ما يخص البيئة من الناحية القانونية، ركز هذا الميثاق عن مبادئ مهمة كمبدأ الاحتراز،الوقاية والمسؤولية كمبادئ للتنمية المستدامة التي تؤطر السياسات والاستراتيجيات والبرامج والمخططات العمل من قبل الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشركات الدولة ومن قبل باقي الأطراق المتدخلة قي مجالات البيئة والتنمية المستدامة. [6]
كما تبنى المغرب مجموعة من استراتيجيات، كالاستراتيجية الوطنية لتدبير المخاطر الطبيعية، التي اشارت الى أهمية التعاون بين كافة هيئات المجتمع المعناة بالشأن البيئي، واشارت إلى ضرورة الفعل الاستباق قبل وقوع الفاجعة من إصلاحات وتطوير وسائل الرصد والتنبؤ . [7]

المواطن المناخي
كل كارثة طبيعية هي ميلاد لقانون جديد داخل البلد، لهذا تبقي القوانين غير كافية لتجنب مخاطر الكوارث طبيعية، في ظل غياب برامج وقائية واستباقية، التي تحمي وتقي المواطن، كالبنيات التحتية المتينة، تقليل الهشاشة في صفوف الفقراء، النساء والاطفال باعتبار هؤلاء هم أكثر عرضة للتغيرات المناخية كما جاء في تقرير للبنك الدولي ، بعض هاته البرامج تحقق إلا من خلال مطالبة المواطن بها، وليس اي مواطن بل المواطن المناخي الذي يعي جيدا مشاكل منطقته، بيئتة وحقيقة التحديات المناخية. نحن بحاجة لتجنيد بيئي، من أجل التوعية البيئية لان الحروب القادمة هي ليست حروبا بالرصاص بل بالخصاص، الخصاص في الموارد الطبيعية والي تتطلب مواطن مدرب مناخيا قادر عن التأقلم والإبداع، والمشاركة الفعالة.

1

Footnotes